تُعد صناعة الجبن في مصر جزءًا لا يتجزأ من تاريخها العريق وثقافتها الغذائية الغنية. فمنذ آلاف السنين، عرف المصريون القدماء فن صناعة الجبن، تاركين وراءهم إرثًا من النكهات الفريدة والتقنيات المتوارثة عبر الأجيال. الجبن المصري ليس مجرد طعام، بل هو قصة أرض ونهر وشعب، يحمل في كل قطعة منه عبق الماضي وروح الحاضر.
تتميز مصر بتنوع كبير في أنواع الجبن، وكل نوع يحكي حكاية خاصة به
تُعد الجبنة الدمياطي بلا شك أشهر أنواع الجبن المصري وأكثرها أصالة. نشأت في مدينة دمياط الساحلية، وتتميز بمذاقها المالح وقوامها الطري الذي يصبح أكثر صلابة مع التقدم في العمر. تُصنع تقليديًا من خليط من حليب الجاموس والبقر، وتُحفظ في محلول ملحي (شرش) يمنحها نكهتها المميزة ويساعد على نضجها. غالبًا ما تُقدم في وجبات الإفطار والعشاء، وتُستخدم في العديد من الأطباق المصرية مثل الفطير
المش هو جبن مصري عريق، يُعرف بأنه "جبن الفقراء" أو "جبن الفلاحين" لقدرته على البقاء لفترات طويلة. وهو في الأساس جبنة قريش تُترك لتتخمر وتنضج في أوعية فخارية (بلاص) مع شرش الجبن، الفلفل الحار، والملح، وأحيانًا قشر البرتقال أو الليمون. يتميز المش بقوامه الكريمي اللزج ونكهته القوية والحادة جدًا، والتي تزداد عمقًا كلما طالت فترة تخميره. يُقدم عادة مع الخبز البلدي والطماطم والبصل الأخضر
الجبنة الرومي هي الجبن المصري الصلب الأكثر شهرة، وتُشبه في قوامها جبنة البارميزان الإيطالية ولكن بنكهة مختلفة تمامًا. تُصنع من حليب البقر وتُترك لتنضج لفترات طويلة قد تصل إلى سنه، مما يمنحها قوامًا متماسكًا ونكهة لاذعة وقوية ومميزة. غالبًا ما تحتوي على حبيبات سوداء صغيرة من الفلفل الأسود المطحون، وتُقدم مبشورة على المكرونة أو في السندويتشات او الفطائر والمعجنات
تُعتبر الجبنة الإسطنبولي قريبة من الجبنة الدمياطي في طريقة التحضير والقوام، ولكنها تتميز بإضافة الفلفل أو الشطة إليها، مما يمنحها نكهة أكثر حدة ومذاقًا مميزًا. تُصنع أيضًا من حليب الجاموس أو البقر وتُحفظ في محلول ملحي
الجبنة القريش هي جبن أبيض طري ومنخفض الدسم، يُصنع عادة من الحليب الفرز (منزوع الدسم). تتميز بقوامها المتفتت ونكهتها الخفيفة والمنعشة. تُعد خيارًا صحيًا ومناسبًا للحميات الغذائية، وتُقدم مع العسل أو المربى أو الخضروات، وتُستخدم أيضًا في حشو المعجنات.
إن الجبن المصري الأصيل هو جزء حي من التراث الغذائي للبلاد، يحمل في طياته قرونًا من الخبرة والنكهة. من الجبنة الدمياطي المالحة إلى المش اللاذع والرومي القوي، كل نوع يمثل بصمة فريدة على خريطة الأجبان العالمية. من المهم الاحتفاء بهذه الأجبان والحفاظ على طرق تصنيعها التقليدية، ليس فقط كمنتجات غذائية، بل كحراس لهوية ثقافية غنية تستحق التقدير والاعتراف العالمي
والاحتفاء بالجبن المصري ككنز وطني يستحق أن يُعرف ويُقدر في جميع أنحاء العالم.